كفى من سياسة الترقيع
صفحة 1 من اصل 1
كفى من سياسة الترقيع
أحيانا ، لا يعرف المرء ماذا يجب عليه أن يفعل عندما يسمع بعض الأخبار الغريبة التي لا يمكن أن تسمع مثيلا لها إلا في البلدان المتخلفة مثل المغرب ، هل يضحك أم يبكي .
آخر هذه الأخبار المضحكة المبكية تتحدث عن كون المغاربة لا ينفقون على الثقافة والترفيه سوى ستين سنتيما في اليوم! يعني طناش ريال .
من يسمع بهذا الخبر الغريب لا يمكنه بطبيعة الحال إلا أن يضحك . ففي هذا البلد العجيب الذي يبدو أن كل الأشياء المفرحة قد غربت فيه بشكل نهائي وحلت محلها الأخبار السوداء التي لا تسر عدوا ولا حبيبا ، أصبحت مثل هذه الأخبار السوداء أيضا تثير الضحك ، ولكنه ضحك كالبكاء كما قال الشاعر .
وبما أن ثريا جبران ، هي المعنية الأولى بهذا الخبر الكارثي ، ما دام أنها تحمل حقيبة وزارة الثقافة ، فقد أعلنت معالي الوزيرة عن كون وزارتها تشتغل على "خطة وطنية" من أجل تحفيز المغاربة على القراءة وشراء الكتب .
ولكن ، ما هو السبب الذي يجعل المغاربة أصلا لا يقرؤون ؟
هذا هو السؤال الذي يجب على الوزيرة أن تبحث له عن جواب قبل التفكير في أي خطة أو برنامج للتشجيع على القراءة . فالمغاربة يا سعادة الوزيرة لا يقرؤون ليس لأنهم لا يحبون القراءة ، بل لأن الظروف العامة التي يعيش فيها البلد هي التي لا تساعد على ذلك .
بالله عليكم كيف تريدون من الناس أن يقرؤوا الجرائد مثلا ، ونحن نرى كيف أن الصحف تنشر كل يوم أخبار عمليات الاختلاس والنهب التي تتعرض لها المؤسسات العمومية ، ومع ذلك لا يمكن أن تسمع حتى عن توقيف أحد المفسدين ، فأحرى تقديمه إلى المحكمة .
وقبل أيام فقط ، نشرت كل الصحف فضائح الفساد المالي والإداري التي كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير ، وعوض أن نسمع عن تقديم كل المتورطين في تبديد المال العام الذين وردت أسماؤهم في التقرير أمام القضاء ، نسي الجميع تقرير المجلس الأعلى بسرعة ، وكأن الشعب المغربي ليس بحاجة إلى كل هذه الأموال الطائلة التي ذهبت هباء .
لماذا إذن يشتري المواطن المغربي جريدة كي يملأ رأسه بالأخبار السوداء التي ترفع نسبة السكر في الدم ، وهو على علم مسبق بأن "أبطال" هذه الأخبار لن يتعرضوا ولو لمجرد مساءلة من طرف الجهات المختصة . وبعد ذلك يتساءلون لماذا لا يتجاوز عدد مبيعات الصحف المغربية مجتمعة 300 ألف نسخة في اليوم ، وهو نفس العدد الذي كانت تبيعه في سنوات السبعينات من القرن الماضي .
إن الناس في البلدان الديمقراطية المتقدمة يقرؤون الجرائد لأن أي خبر مهما كان صغيرا ، إذا فاحت منه رائحة الفساد يلتقطه القضاء بسرعة قياسية ، ويقوم بواجبه على أكمل وجه ، ومن تم يظل المواطن مرتبطا بالجريدة ، لأنه يتتبع من خلالها عمل المسؤولين الذين يسيرون شؤونه .
أما عندنا في المغرب ، فالصحافة لا تنشر فقط أخبارا صغيرة عن فساد المفسدين ، بل تنشر ملفات ضخمة ، وفي الوقت الذي كان مفروضا في القضاء الذي يمثل السلطة الثالثة أن يكون في خدمة الصحافة التي تمثل السلطة الرابعة ، أو على الأقل أن يضع يده في يدها من أجل القضاء على المفسدين ، فإن العكس هو الذي يحصل . ونجد أن القضاء مع الأسف يتواطأ مع جهات نافذة في السلطة من أجل قطع لسان الصحافة . وهذه طبعا واحدة من الأشياء التي لا يمكن أن تجدها إلا في "نادي الدول المتخلفة" الذي ما زال المغرب يحتفظ فيه بالعضوية الكاملة !
وربما لهذه الأسباب كلها نجد أن الذين يقرؤون الجرائد في المغرب على قلتهم ، يفضلون عادة أن يفعلوا ذلك وهم جالسون في المقهى ، كي يبتلعوا كل هذه "الفقايص" مع دخان السجائر . فبدون جرعات زائدة من النيكوتين من الصعب أن يتحمل الإنسان كل الأخبار السوداوية التي تزين بها الصحف صدر صفحاتها الأولى كل صباح .
وإذا كانت علاقة المواطن المغربي مع الصحافة متأزمة هكذا ، فعلاقته بالكتاب لا يمكنها أن تكون إلا أكثر تأزما وتنافرا ، على اعتبار أن دخول "عالم الإدمان " على القراءة ينشأ عادة عن طريق الإدمان على قراءة الجرائد .
إذن كفى من إلقاء اللوم على المواطنين واتهامهم بشكل مجاني بالعزوف عن القراءة ، فالمطلوب منكم أيها السادة المسؤولون هو أن تبحثوا عن الأسباب الحقيقية لهذا العزوف اللاإرادي أولا ، ومن المؤكد أنكم تعرفونها جيدا ، لكنكم مع الأسف لا تريدون أن تعترفوا بها ، وهذه هي المشكلة الكبرى
هشام السعيدي ( الراجي )
آخر هذه الأخبار المضحكة المبكية تتحدث عن كون المغاربة لا ينفقون على الثقافة والترفيه سوى ستين سنتيما في اليوم! يعني طناش ريال .
من يسمع بهذا الخبر الغريب لا يمكنه بطبيعة الحال إلا أن يضحك . ففي هذا البلد العجيب الذي يبدو أن كل الأشياء المفرحة قد غربت فيه بشكل نهائي وحلت محلها الأخبار السوداء التي لا تسر عدوا ولا حبيبا ، أصبحت مثل هذه الأخبار السوداء أيضا تثير الضحك ، ولكنه ضحك كالبكاء كما قال الشاعر .
وبما أن ثريا جبران ، هي المعنية الأولى بهذا الخبر الكارثي ، ما دام أنها تحمل حقيبة وزارة الثقافة ، فقد أعلنت معالي الوزيرة عن كون وزارتها تشتغل على "خطة وطنية" من أجل تحفيز المغاربة على القراءة وشراء الكتب .
ولكن ، ما هو السبب الذي يجعل المغاربة أصلا لا يقرؤون ؟
هذا هو السؤال الذي يجب على الوزيرة أن تبحث له عن جواب قبل التفكير في أي خطة أو برنامج للتشجيع على القراءة . فالمغاربة يا سعادة الوزيرة لا يقرؤون ليس لأنهم لا يحبون القراءة ، بل لأن الظروف العامة التي يعيش فيها البلد هي التي لا تساعد على ذلك .
بالله عليكم كيف تريدون من الناس أن يقرؤوا الجرائد مثلا ، ونحن نرى كيف أن الصحف تنشر كل يوم أخبار عمليات الاختلاس والنهب التي تتعرض لها المؤسسات العمومية ، ومع ذلك لا يمكن أن تسمع حتى عن توقيف أحد المفسدين ، فأحرى تقديمه إلى المحكمة .
وقبل أيام فقط ، نشرت كل الصحف فضائح الفساد المالي والإداري التي كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير ، وعوض أن نسمع عن تقديم كل المتورطين في تبديد المال العام الذين وردت أسماؤهم في التقرير أمام القضاء ، نسي الجميع تقرير المجلس الأعلى بسرعة ، وكأن الشعب المغربي ليس بحاجة إلى كل هذه الأموال الطائلة التي ذهبت هباء .
لماذا إذن يشتري المواطن المغربي جريدة كي يملأ رأسه بالأخبار السوداء التي ترفع نسبة السكر في الدم ، وهو على علم مسبق بأن "أبطال" هذه الأخبار لن يتعرضوا ولو لمجرد مساءلة من طرف الجهات المختصة . وبعد ذلك يتساءلون لماذا لا يتجاوز عدد مبيعات الصحف المغربية مجتمعة 300 ألف نسخة في اليوم ، وهو نفس العدد الذي كانت تبيعه في سنوات السبعينات من القرن الماضي .
إن الناس في البلدان الديمقراطية المتقدمة يقرؤون الجرائد لأن أي خبر مهما كان صغيرا ، إذا فاحت منه رائحة الفساد يلتقطه القضاء بسرعة قياسية ، ويقوم بواجبه على أكمل وجه ، ومن تم يظل المواطن مرتبطا بالجريدة ، لأنه يتتبع من خلالها عمل المسؤولين الذين يسيرون شؤونه .
أما عندنا في المغرب ، فالصحافة لا تنشر فقط أخبارا صغيرة عن فساد المفسدين ، بل تنشر ملفات ضخمة ، وفي الوقت الذي كان مفروضا في القضاء الذي يمثل السلطة الثالثة أن يكون في خدمة الصحافة التي تمثل السلطة الرابعة ، أو على الأقل أن يضع يده في يدها من أجل القضاء على المفسدين ، فإن العكس هو الذي يحصل . ونجد أن القضاء مع الأسف يتواطأ مع جهات نافذة في السلطة من أجل قطع لسان الصحافة . وهذه طبعا واحدة من الأشياء التي لا يمكن أن تجدها إلا في "نادي الدول المتخلفة" الذي ما زال المغرب يحتفظ فيه بالعضوية الكاملة !
وربما لهذه الأسباب كلها نجد أن الذين يقرؤون الجرائد في المغرب على قلتهم ، يفضلون عادة أن يفعلوا ذلك وهم جالسون في المقهى ، كي يبتلعوا كل هذه "الفقايص" مع دخان السجائر . فبدون جرعات زائدة من النيكوتين من الصعب أن يتحمل الإنسان كل الأخبار السوداوية التي تزين بها الصحف صدر صفحاتها الأولى كل صباح .
وإذا كانت علاقة المواطن المغربي مع الصحافة متأزمة هكذا ، فعلاقته بالكتاب لا يمكنها أن تكون إلا أكثر تأزما وتنافرا ، على اعتبار أن دخول "عالم الإدمان " على القراءة ينشأ عادة عن طريق الإدمان على قراءة الجرائد .
إذن كفى من إلقاء اللوم على المواطنين واتهامهم بشكل مجاني بالعزوف عن القراءة ، فالمطلوب منكم أيها السادة المسؤولون هو أن تبحثوا عن الأسباب الحقيقية لهذا العزوف اللاإرادي أولا ، ومن المؤكد أنكم تعرفونها جيدا ، لكنكم مع الأسف لا تريدون أن تعترفوا بها ، وهذه هي المشكلة الكبرى
هشام السعيدي ( الراجي )
hicham sâidi- عضو نشط
-
عدد الرسائل : 188
العمر : 31
السٌّمعَة : 0
نقاط : 33
تاريخ التسجيل : 02/12/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى